آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الشيطان يسكن في التفاصيل، وينجب فيها أيضا!


الشيطان يسكن في التفاصيل، وينجب فيها أيضا!

عبد الحميد جماهري
يعلمنا مونتيسكيو أن أخطر مرحلة في تاريخ الحكم هي التي يكون فيها عليه أن يصلح نفسه. ففي هذه اللحظة، التي تكاد تشبه الفجر في ليلة شتوية، تكون الطريق واضحة، ربما في الذهن، لكنها في الواقع مشوشة ومضببة، ويمكن أن يباغتك أي خنزير بري ويقلب السيارة!
وفي هذه اللحظة، أيضا، تكون نزوعات المحافظة على أشدها، لأن المصالح لا ترفع يدها بالسهولة التي نتصورها.
ويمكننا أن نتلمس بعض المخاطر التي يمكنها أن تتربص بالإصلاح وتسعى، بذهاء وبأسباب عدة، لكي تلجم اندفاعته وتقلص من مسافة القفز العلوي التي يريدها.
ففي المشهد الذي سيلي الشروع في التدبير العملي للإصلاح وللمفاتيح السبعة التي وضعها ملك البلاد، هناك اختلافات في الجوهر وأخرى في التصريف.
فنحن ندرك أن التنصيص على سمو القوانين الإنسانية على القانون المحلي، بما يقلص من ثقل الخصوصية الملجمة للحداثة، هناك من سيعتبر ذلك مناقضا لوجوده ولتصوره للهوية الوطنية والروحية، بل لن نجانب الصواب إذا قلنا إن القوى المحافظة ستعتبر أن مهمتها الأصلية هي تقويض هذا المسعى، بالرغم من كونه مضمنا في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي جاء الإصلاح بدسترتها. ولعل القوى التي ناهضت من الأصل الهيئة وعمل المصالحة الوطنية، ستعود من رمادها اليوم، وإن كان بلبوسات جديدة وشعارات أخرى.
وحتى الذين باركوا التحول الإيجابي للوضع الحقوقي الجديد، لم يترددوا في لحظة من اللحظات في الانتفاض السلبي ضد عملها، شواهدنا المساعي العديدة والأقنعة المتعددة التي ارتدتها من حيث تعميم نظرية الشيطان موجود في المعسكرين معا، عند الضحية كما عند الجلاد.
وقد رأينا قوى محافظة، متقاربة أو متباعدة، تتحالف ضد خطة المرأة وإدماجها في النسيج التحديثي للمجتمع.
وفي الخضم العظيم لكل الفاعلين السياسين، بالدرجة الأولى، من كان يعتبر أن الملكية المطلقة هي مبرر وجوده وغايات تواجده. وهو بذلك لن يقف مكتوف الأيدي أمام تحديث دورها وفتح آفاق تطورها لكي تعيش للزمن الحالي والأزمنة القادمة.
وكل شيء ينقص من ظلها يمس مركزه.
وهي القوى المحافظة على مصالحها وليس على أفكارها وأرائها في الوجود والحياة والمعنى الوجودي للهوية الفريدة والجماعية.
وهي قوى متنوعة ومتنفذة، ومنها الإداري والاجتماعي والاقتصادي والرمزي، ومنها المدني وغير المدني، ومنها الفئات العليا، كما فيها الفئات الوسطى، والتي يمكنها أن تعبيء الفئات البسيطة ضد مشروع لا تعرف منه سوى شعارات المناهضين أكثر مما تعرف أن محتواه هو لفائدتها.
إن الإصلاح هو أيضا القوى التي تسهر على تنفيذه وتدقيق مضامينه.
ولسنا في حاجة اليوم للقول بأن القوى المطروحة في الساحة، موجودة إما كقوى محافظة، أولوياتها هي وجودها والصيغة التي تريدها للمجتمع، وقوى تقدمية حداثية يمكنها أن تجد في الدولة، ضمن المشروع الجديد، سندا حقيقيا للتحديث، باعتبارها هي الدولة، يعني أداة ممكنة لعقلنة التاريخ المغربي الحديث.
وهناك القوى الإصلاحية، والتي لن تكون كذلك إلا إذا هي نجحت في إصلاحاتها، وبالطرق التي تمكنها من الفوز في المنعطف التاريخي.
لقد تفاعلت هذه القوى بشكل كبير وبحماس، عاتبها عليه البعض، لكنها رأت في الخيار الملكي اليوم طريقة تقطع مع ظروف التوتر وصيغة رهان القوى، كما هي مطروحة في الجوار العربي الملتهب، ولا يمكن فهم تعاطيها الحماسي مع الخطاب الملكي إلا من هذه الزاوية التي وفرت على المغرب سيناريوهات غير مرغوب فيها.
لهذا نفهم اليوم لماذا على قوى الإصلاح أن تكون في الموعد وتحتاط ولا تخضع لا للذي يريد أن يزايد عليها يمينا، ولا الذي يزايد عليها يسارا.
تبقى الظروف التي يمكن أن تحيط بالإصلاح حتى يسير وفق خارطة الطريق التي يطرحها ملك البلاد، وبالأفق الذي نريده، وهو إطار لابد له من الإنفراج، والكثير من القرارات «التمهيدية»، تمكن قوى إصلاحية وقوى تقدمية جذرية، لكنها إصلاحية، من أن تنخرط في جو آخر.
إنه إصلاح ذهني وسيكولوجي للأجواء التي نوجد فيها، كما هو مطلوب من الإصلاح من محيط يساعده على أن يسير في الاتجاه الذي تريده قوى النضال الديموقراطي والحقوقي.
لقد كتبنا في هذه العمود منذ شهر أن السياسة الجيدة ليست هي السياسة التي تتجنب ما لا مناص منه وما هو حتمي، بل هي التي تستخدم هذا الحتمي والضروري وتخدمه.
ويعني هذا أن المؤسسات لا يمكن أن نكتب على أبوابها تلك العبارة الشهيرة «مغلق لأجل الإصلاح».
أبدا، بل لابد من أن تخرج من منطق المغرب ما قبل 9 مارس إلى مغرب ما بعد 9 مارس.
هناك عمل ستقوم به اللجنة، وهو عمل يتوسم الرأي العام فيه الشيء الكثير والجذري، بفعل المسارات المضيئة لأعضاء اللجنة وللقيمة الفكرية والأكاديمية لأعضائها وعضواتها، وأيضا للتاريخ السار الذي يحملونه عنهم وعنهن.
ولا شك أن اللجنة واللجنة المتابعة ستصادف الكثير من الشياطين الذين يسكنون عادة التفاصيل، ووقتها ستختار أن تنحاز إلى القوى الذاهبة باتجاه المستقبل وتترك الشياطين لماضيها الذي لم يعد يقبل به أحد.. ولتنجب فيه ما تشاء !
ولقد كان فيكتور هوغو يقول بأن كل ثورة يجب أن تبدأ من إصلاح القاموس। والقاموس الحاضر يلزمه ثورة والخروج من منطقه القديم.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لـ

مدونة خاصة بالدستورالمغربي

2017