آخر الأخبار

جاري التحميل ...

لماذا الأمازيغية لغة ًرسمية ؟

لماذا الأمازيغية لغة ًرسمية ؟



أحمد عصيد

أحدثت اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور لخبطة واضطرابا كبيرين في صفوف الأحزاب السياسية، بسبب مفاجئتها بتحديد سقف زمني محدد لتقديم مقترحاتها، وعدم إتاحة الوقت الكافي لها للبتّ في العديد من الأمور التي ربما لم تسنح لها الفرصة من قبل لتعميقها، بسبب انخراطها الكلي وبشكل تبعي في السياسات الرسمية للدولة، دون حسّ مستقبلي وتاريخي يسمح باستشراف المستقبل بشكل استباقي
وتتحمل هذه الأحزاب قسطا من المسؤولية كذلك فيما يجري، لأنها لا تعمد إلى تدارس موضوع ما إلا بعد أن ترد عليها
"إشارات" من الملك تدعوها إلى ذلك، وبما أنها أحزاب تعودت على انتظار "الإشارات"، فإنها تضع أطرها وخبراءها في الثلاجة ثمّ تتخذ المواقف المتسرعة بعد ورود "الإشارات" ودون إعداد الملفات المطلوبة في هذا الشأن أو ذاك. حدث هذا في موضوع الجهوية مثلما يحدث الآن في موضوع الأمازيغية، التي تعودت معظم الأحزاب السياسية على الحديث عنها موسميا في أوقات الإنتخابات وبعبارات سطحية فضفاضة وبشكل يتسم على العموم بالغموض والإلتباس، لتجد نفسها اليوم ملزمة بسبب "الإشارات" بالبتّ في الموضوع عن غير بينة وبدون وضوح فكري لازم، فباستثناء حزب الإستقلال الذي يتوفر على موقف واضح وقطعي ومبدئي لا رجعة فيه في موضوع الأمازيغية، وهو موقف العداء السافر الذي وصل مرّة أن أعلن أمينه العام أمام شبيبة الحزب ـ لطمأنة الحاضرين القلقين ـ بأن الحزب "سيكافح" لكي لا تكون الأمازيغية في الدستور، وباستثناء حزب الحركة الشعبية الذي حسم منذ سنوات طويلة في قانونه الأساسي وأدبياته في ضرورة ترسيم الأمازيغية في الدستور، فقد كان على الأحزاب الأخرى أن تقوم ببعض الجهد لتدارس الموضوع ومقاربته من مختلف أوجهه وربطه بالسياق الحالي وبالرهانات المستقبلية لبلادنا، غير أن الذي يبدو من مواقف بعض الأحزاب هو العكس من ذلك تماما، فهناك أحزاب ظلت تتداول الموضوع أياما دون أن تصل إلى نتيجة، وهناك أخرى اتخذت موقفا ظهر فيما بعد أنه ليس موقف قواعدها و أطرها بل وحتى بعض أعضاء قيادتها، وظهرت أحزاب أخرى تطرح أسئلة الأبجدية الأولى لهذا الموضوع الذي لم يسبق لها أن فكرت فيه بشكل جدّي.
والحال أن الأمازيغية ليست بهذا القدر من التعقيد، فسواء كهوية أوكلغة وثقافة، فهي متواجدة بتجذر في كل مناطق المغرب بدون استثناء من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، في السهول والجبال والصّحاري، بل إن جغرافيا البلد تتكلم بشكل واضح لغة الأمازيغ الأحرار منذ آلاف السنين، على هذا المستوى لا تحتاج الأحزاب إلى كبير عناء لمعرفة الموقف الذي ينبغي أن تتخذه. أما على مستوى وضعية اللغة الأمازيغية فثمة قرائن موجودة يمكن اعتمادها بكل نزاهة، ويمكن ترتيبها على الشكل التالي:
1) شرعية العراقة التاريخية والجغرافية للسان الأمازيغي بالمغرب، وديناميته وحيويته في التواصل حتى الآن رغم انقراض كل اللغات القديمة المجاورة له، واحتضانه لثقافة زاخرة شديدة الغنى والتنوع، والتي تتميز بإبداعية ملازمة لهموم الإنسان المغربي اليومية.

2) شرعية اللوبي المدني الضّاغط منذ نصف قرن، والذي وصل في اتساعه أزيد من ستمائة جمعية في كل مناطق المغرب الحضرية والقروية، إضافة إلى المثقفين والباحثين والفنانين والمبدعين في مختلف المجالات والتخصصات، و كذا حلفاء هذه الحركة من تنظيمات مدنية وسياسية تساندها في مطالبها المشروعة والديمقراطية.

3) شرعية الشارع المغربي من خلال صوت حركة عشرين فبراير التي وضعت ضمن مطالبها الإعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية للبلاد، في إطار دستور جديد يضمن الكرامة لجميع المغاربة على قدم المساواة.

4) شرعية العمل الأكاديمي الجبّار الذي قام به المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على مدى عشر سنوات، والذي أثمر معاجم اللغة وتوحيد قواعد صرفها ونحوها وإملائيتها بحرفها الأصلي تيفيناغ، والذي أنتج الكتب المدرسية ومنهاج التعليم والحوامل البيداغوجية من كل نوع، وقام بتكوين المكونين. وهي معطيات لم تعد تسمح لأحد من المناوئين بأن يعود بهذه اللغة إلى ما قبل 2001، عندما كانت لغة الهامش التي تتجاهلها المؤسسات.

5) شرعية الدينامية المؤسساتية التي انطلقت وساهمت رغم كل العراقيل في تطوير اللغة الأمازيغية بشكل كبير، ونخصّ منها بالذكر تجربة التعليم التي نجحت بنسبة 10 في المائة فقط بسبب عدم التعميم كما كان مقررا، لكنها خلقت تجارب أوضحت العديد من العناصر الهامة في منهجية التدريس، وأظهرت مدى التفاعل الإيجابي للتلاميذ مع اللغة الأمازيغية. كما نذكر أيضا تجربة الإعلام من إذاعات وقنوات تلفزية وخاصة منها قناة تمزيغت الثامنة، التي استطاعت في ظرف سنة واحدة أن تستقطب جمهورا عريضا وأن تطور تجربتها بشكل ملموس.

6) شرعية المنتظم الحقوقي الدولي الذي أقر بضرورة دسترة الأمازيغية كلغة رسمية كإجراء ضروري لحمايتها والنهوض بها، ونخصّ منها بالذكر توصيات لجنة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية المجتمعة بجنيف، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ولجنة مناهضة كافة أنواع التمييز العنصري بالأمم المتحدة، والتي اعتبرت كلها أن ترسيم الأمازيغية في الدستور هو المنطلق القانوني لإنصافها.

7) شرعية دساتير الدول الديمقراطية التي تنصّ على أكثر من لغة رسمية، والتي تقدّم نماذج رائعة لتدبير التنوع الثقافي واللغوي بشكل منصف وعادل، والتي منها من تعترف بـ 37 لغة رسمية في دستورها كبوليفيا، و منها من ينصّ دستورها على 23 لغة كالهند، و أخرى على 11 لغة كجنوب إفريقيا، وغيرها على أربع لغات كسويسرا، دون الحديث عن الدول التي تنصّ دساتيرها على لغتين رسميتين وهي كثيرة جدا. فالمغاربة باعترافهم بالأمازيغية كلغة رسمية لن يخترعوا العجلة، بل فقط سيسلكون مسلك من سبقهم من الدّول المتقدمة التي سوّت مشاكلها منذ زمن بعيد، وسمحت لمواطنيها بأن ينعموا بالمساواة والعدل في بلدهم.

إذا كانت كل هذه القرائن والحُجج غير مقنعة بالنسبة للأحزاب المتردّدة، والتي تختبئ وراء مفهوم "اللغة الوطنية" التي لا تعني شيئا جديدا بالنسبة للأمازيغية ما عدا استمرار الميز وسياسة الإبادة الثقافية Ethnocide ، والتي لن توفر للغتنا الأصلية أية حماية قانونية داخل المؤسسات، ولن تحقق المساواة والعدل المطلوبين، فمعنى ذلك أنها أحزاب ما زالت ضحية الإيديولوجيات الإقصائية التي عفى عليها الزمن، ومعناه أيضا أن هذه الأحزاب تعيش خارج التاريخ، وترفض دخوله من بابه الواسع.
ينشر بإذن منه

عن الكاتب

ABDOUHAKKI

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لـ

مدونة خاصة بالدستورالمغربي

2017