آخر الأخبار

جاري التحميل ...

ثورة صامتة في الرباط..التغيير بنكهة مغربية خاصة

ثورة صامتة في الرباط..التغيير بنكهة مغربية خاصة






هيلين زوبر من الرباط*

بخلاف الدول العربية الأخرى، على المتظاهرين في المغرب أن يأخذوا في الاعتبار الافتراض أن أغلبية سكان البلد الـ31 مليوناً راضون عن تربع الملك على رأس البلاد وبإشرافه على شؤونها، فلم يتجاوز نحو 75% من سكان البلد الخامسة والثلاثين من العمر، مما يعني أنهم بلغوا سن الرشد في عهد الملك محمد السادس.
اتفق نجيب شوقي وأصدقاؤه على التجمع قرب مدينة تمارة على أطراف العاصمة المغربية، الرباط، وكان من المقرر أن يلتقي الجميع يوم الأحد الواقع فيه 15 مايو للقيام بنزهة أمام مقر جهاز الاستخبارات المحلي في البلد، فقد أرادوا الاحتجاج ضد الدولة البوليسية في بلدهم.

تفضل الحكومة عدم التحدث عن تمارة، إذ يُعتقد أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وجهاز الاستخبارات البريطاني نقلا إلى هذا المكان مَن اشتبهوا في تورطهم بأعمال إرهابية وعملا على تعذيبهم عقب اعتداءات 11 سبتمبر 2001.
كان شوقي (32 سنة)، صاحب مدونة من الرباط، وزملاؤه المحتجون، الذين حشدوا عشرات آلاف المتظاهرين شهرياً، فخورين بالخطط التي رسموها، إذ أوضح هذا الشاب بشعره الطويل المشعث: 'نريد أن نطلع الشعب على الممارسات غير المشروعة لجهاز الاستخبارات'.
لكنهم لم يستطيعوا المضي قدماً بخططهم، فكانت وحدات الشرطة الخاصة تنتظر هؤلاء الشبان منذ الصباح الباكر، وكان شوقي داخل أحد المتاجر حين بدأت مجموعة من رجال الشرطة بلباس مدني تضرب الوافدين الجدد بالهراوات، ولاحقت الشرطة نحو مئة شاب وشابة طوال ساعتين، حتى إنها لاحقت بعضهم إلى سطوح المباني المحيطة، ولذلك، نُقل محتجون كثر إلى المستشفيات بسبب إصابات تعرضوا لها.
إصلاحات الملك
أظهرت هذه 'النزهة' التي لم تكتمل أن حرية التعبير عن الآراء في المغرب ما زالت مهددة، رغم مرور ثلاثة أشهر على دعوة الشبان المغاربة للتظاهر للمرة الأولى في 20 فبراير، حاملين بالتالي الحركة العربية الموالية للديمقراطية إلى بلدهم.
تمثل أحداث 15 مايو عقبة خطيرة على الدرب نحو مجتمع ليبرالي في المغرب، وبما أن الملك محمد السادس وعد في مطلع شهر مارس بتأسيس نظام يتحلى بطابع ديمقراطي أكبر ودولة يسيطر عليها حكم القانون، فقد عين الملك مجلساً وطنياً لحقوق الإنسان وشكل لجنة لوضع دستور جديد. كذلك، أعرب عن استعداده لاتخاذ خطوات يراها ضرورية ليحقق المغرب سلمياً ما لم تستطع تونس ومصر بلوغه إلا بإطاحتهما بمن يمسكون بزمام السلطة.
لكن ذلك كله تبدل في 28 أبريل، مع القنبلتين اللتين فُجرتا عن بعد، على ما يبدو، في مقهى 'أركانة' السياحي الشهير في ساحة 'جامع الفنا' الغني عن التعريف في قلب مراكش، إذ أودت هذه العملية بحياة 17 شخصاً، واعتقلت الشرطة منذ ذلك الحين سبعة مشتبه فيهم، أكدت مصادر من وزارة الداخلية المغربية أنهم متعاطفون مع تنظيم 'القاعدة'.
لكن كما حدث عقب العمليات الانتحارية في الدار البيضاء قبل ثماني سنوات، كثرت راهناً شائعات عن أن لجهاز الاستخبارات في البلاد يداً في هذه المسألة، إذ تشير هذه الأقاويل إلى أن هؤلاء المتشددين، الذين ينوون التمسك بسلطتهم الحالية، استاؤوا عندما أطلق الملك سراح مئة سجين نحو منتصف شهر أبريل الفائت، مع أن بعضهم أدين بتهمة الإرهاب.
حركة مهددة
تبدو الحركة الموالية للديمقراطية في المغرب مهددة مجدداً، غير أن الشبان المغربيين يأبون الخروج من الشوارع بهذه السهولة. يذكر فهد العراقي، رئيس تحرير المجلة السياسية الناقدة Tel Quel، التي تدعم مطالب المتظاهرين الشبان: 'لقد تخطو حاجز الخوف'.
يؤكد شوقي، الذي أنهى مرحلة الدراسة الثانوية في ألمانيا وتابع تعليمه في المغرب: 'نحن نعتمد الطرق السلمية'. لا تُعتبر الملكية مشكلة الشباب المغربي الكبرى، فبخلاف نظرائهم في الدول المجاورة، لا يُطالب المغربيون بإسقاط الحكم الراهن، فلا يأبهون إن ظل الملك محمد السادس رأس الدولة، إلا أنهم يريدون منه أن يبدّل طريقة حكمه.
وهذا ما يميز الربيع المغربي غير التقليدي، فلا تهدف هذه الحركة إلى الإطاحة بالقائد، إلا أنها ثورة بكل معنى الكلمة، يُذكر أن الملك يعتبر نفسه متحدراً مباشرة من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، مما يعطيه سلطة مطلقة في إدارة البلاد
لكن هذه السلطة المطلقة، التي يطالب شباب البلد المتمردون بالحد منها، أتاحت للملك تطبيق إصلاحات طال انتظارها، مواجهاً مقاومة النظام السياسي المغربي الجامد والإسلاميين، كلما دعت الحاجة. فقد مرر إصلاحاً يُعنى بقانون العائلة منح المرأة الحقوق ذاتها. كذلك، سعى إلى المصالحة مع المعارضة اليسارية في البلاد، بعد أن تعرضت لقمع عنيف خلال عهد والده الحسن الثاني
تغيير من الداخل
أعلن محمد السادس أخيراً مراجعة للدستور، ففي المستقبل، لن يعود بإمكان الملك تعيين مَن يشاء على رأس الحكومة، وسيُختار رئيس الحكومة من الحزب الذي سيفوز في انتخابات حرة، بالإضافة إلى ذلك، يرغب الملك في ترسيخ الفصل بين السلطات وضمان استقلال القضاء، وقد نصح أعضاء اللجنة الدستورية الجديدة، التي ألفها من ممثلي المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والمجموعات المدافعة عن حقوق الإنسان، بأن يكونوا 'مبدعين'.
علاوة على ذلك، تحظى الحرب ضد الفساد في المغرب بمباركة الملك، وقد أثار ما كشفته برقيات السفارة الأميركية، التي نشرها موقع 'ويكيليكس' على الإنترنت، عن عادة السياسيين ملء جيوبهم بأموال غير مشروعة، استياء مغربيين كثر وسخطهم، لذلك، اندفع المتظاهرون الشبان إلى المطالبة بإزالة هؤلاء من مناصبهم التي تقربهم من الملك. وحققوا نجاحاً كبيراً حين عين الملك عبدالسلام أبو درار، مؤسس فرع 'منظمة الشفافية الدولية' في المغرب، ليكون رئيس وكالة حكومية مهمتها محاربة الفساد.
في سبعينيات القرن الماضي، حاول أبودرار مع غيره من ناشطين يساريين الإطاحة بالملكية من الأسس، ثم نجا من خمس سنوات من الأسر في سجن سري، في قبو أحد مراكز الشرطة في الدار البيضاء، ويعتقد هذا المهندس والخبير في الشؤون المالية أنه يستطيع تسريع الإصلاح بالتعاون مع الملك.
لا ترتبط مشكلة المغرب بسلطة الملكية المفرطة، حسبما يوضح هذا العدو السابق للسلطة، بل بالأحزاب السياسية بحد ذاتها، فيواصل أعضاء 'المخزِن' (النخبة الحاكمة) أنفسهم بتوزيع المناصب على أفراد من المجموعات العشرين الأكثر أهمية في الحكومة، مما جعلهم يفقدون ثقة الناخبين، ففي الانتخابات البرلمانية التي عُقدت في المغرب عام 2007، قاطع نحو 63% ممن يحق لهم التصويت عملية الاقتراع.
انتهى زمن الرقابة الذاتي
يعلن عمر بلافريج (37 سنة)، عضو سابق في الحزب الاشتراكي المغربي، أنه راضٍ عن أن التغييرات التي أدخلها الملك إلى الدستور ألقت على عاتق الأحزاب جزءاً من المسؤولية، ويضيف أن الوقت قد حان ليُعرب جيل السياسيين الشباب عن 'الشجاعة لإجراء تغييرات لها تأثيرات واسعة النطاق'.
فرح بلافريج، الذي يرأس مؤسسة عامة تُعنى بشؤون تكنولوجيا المعلومات، عندما لاحظ أن حركة العشرين من فبراير أتاحت للشبان التدخل في الشان السياسي. يوضح: 'انتهى زمن الرقابة الذاتية، وبات بإمكاننا اليوم انتقاد أي أمر'. وما عاد بلافريج قلقا بشأن المستقبل، إذ يقول في هذا الصدد: 'إذا لم يحقق الإصلاح الدستوري ما نحلم به، نستطيع رفضه'.
راهناً، يعتمد هذان كل من الشريكين غير المحتملين (المتظاهرون الشبان والملك الذي يحب تصوير نفسه كمصلح ذي سلطة عليا) على الآخر، خصوصاً أنهما يشكلان عاملي التغيير الوحيدين بين الأحزاب السياسية المتصلبة في المغرب. وبخلاف الدول العربية الأخرى، على ثوار المغرب أن يأخذوا في الاعتبار الافتراض أن أغلبية سكان البلد الـ31 مليوناً راضون عن تربع الملك على رأس البلاد وبإشرافه على شؤونها، فلم يتجاوز نحو 75% من سكان البلد الخامسة والثلاثين من العمر، مما يعني أنهم بلغوا سن الرشد في عهد الملك محمد السادس.
مخاطبة عبر الإذاعة
يدرك الفريق الذي أمضى السنوات الخمس الأخيرة في تشغيل المحطة الإذاعية المفضلة لدى الشبان المغربيين، Hit Radio، موقف هذا الجيل من الحياة. فيصغي يومياً نحو مليون مستمع إلى برامج هذه الإذاعة التي تنتجها مجموعة صغيرة من الشبان والشابات في حي أكدال العصري في الرباط.
يقول مؤسس هذه الإذاعة يونس بومهدي إنه كان أول مَن منح الشباب في العالم العربي فرصةً للتحدث بحرية عن مواضيع تهمهم عبر محطة إذاعية، فتشتهر هذه الإذاعة بأغاني الراب التي تقدمها بـ'الدارج'، اللغة المحكية. ويعتقد بومهدي أن هذه العروض تعكس شكاوى الثوار الشبان ومطالبهم.
يدرك بومهدي، خبير تسويق حصل على شهادته من باريس، أن مستمعين كثراً لا يؤيدون القتال في الشوارع، وكتبوا على موقع Facebook: 'لا نريد الفوضى'. فلا يرغب هذا الجيل في خسارة الحريات التي اكتسبها، إلا أنه يود أيضاً مواصلة التغيير.






* عن (دير شبيغل) الألمانية



عن الكاتب

ABDOUHAKKI

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لـ

مدونة خاصة بالدستورالمغربي

2017