آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تعديل الدستور أكمل الصورة السياسية وأبقى ملك المغرب أميراً للمؤمنين






محمد الأشهب
مع توجه أكثر من 13 مليون ناخب مغربي إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، تكون ملامح الصورة السياسية اكتملت، خاصة وأن غالبية الأحزاب السياسية الأكثر نفوذاً في الموالاة والمعارضة على حد سواء، تبنَّت مواقف إيجابية، فيما اصطفت فصائل في حركة الشباب الاحتجاجية (20 فبراير وجماعة العدل والإحسان الإسلامية) في اتجاه مغاير دعا إلى المقاطعة. وربما كان الاستثناء في هذا الاصطفاف، أن المركزية النقابية الكونفدرالية الديموقراطية للعمل، بزعامة النقابي نوبير الأموي، دعت من جهتها إلى مقاطعة الاستفتاء، ما انعكس سلباً في شكل خلافات تطايرت شظاياها داخل التنظيم النقابي الأكثر استقطاباً.

مشروع الدستور الجديد نص للمرة الأولى على مكونات الهوية المغربية، وتثبيت إسلامية الدولة ارتباطاً بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح. ويشير للمرة الأولى إلى مكونات الوحدة المغربية وتنوع روافدها بين العربية والأمازيغية والحسانية (لغة أهل الصحراء)، وبين الامتدادات الإفريقية والأندلسية والمتوسطية والعبرية، في إشارة إلى حقوق أعضاء الطائفة اليهودية المتحدرين من أصول مغربية. ويعتقد مراقبون، أن الاستناد إلى ثوابت الهوية كان في مقدم أسباب الارتقاء باللغة الأمازيغية التي يتحدث بها البربر، سكان المغرب الأولون، إلى لغة رسمية تضمن التعددية في إطار الوحدة. في الديباجة التي لا تنفصل عن روح الوثيقة الدستورية ومضمونها، يبرز التأكيد على التزامات الدولة المواثيق الدولية وحظر كافة أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو اللغة، فيما أضيفت فصول تكرس احترام حقوق الإنسان في أبعادها وقيمها الكونية، مثل حظر التعذيب وضمان المحاكمة العادلة وصون حرية الرأي والفكر والتعبير وحق الولوج إلى المعلومات وتوسيع نطاق هذه الترسانة كي تشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في الصحة والتعليم والسكن والتأهيل الاجتماعي.
بيد أنه في معرض الإحاطة بأمور السيادة، لا تكتفي مسوَّدة الدستور الجديد بإحالتها على الأمة، التي تمارسها عبر الاستفتاء والاقتراع في الانتخابات الاشتراعية والمحلية، بل بربط الاستشارات الشعبية - في سابقة أولى - بالنزاهة والحرية والشفافية، أي أنه يعتبر أي انتخابات تحوم حولها الشبهات لا تعكس إرادة الأمة.
وبرأي فقهاء في القانون الدستوري، فإن هذا التأكيد أريد للقطع مع كل أنواع الممارسات التي تسجل ضدها المآخذ. وإن كانت المنازعات متروكة لأحكام القضاء في اللغات ذات الصلة. وأضافت المسوَّدة إلى هذا التطور إمكان قيام أي مواطن بمقاضاة الدولة في حال رأى أن بعض القوانين غير دستورية.
في توصيف نظام الحكم، يعرض مشروع الدستور إلى الملكية بوصفها دستورية وبرلمانية ومواطنة، تضطلع بمهام دينية وسياسية، في إشارة إلى مرجعية الملك كأمير للمؤمنين وكقائد أعلى للقوات العسكرية. لكن اللافت في الفصول ذات الصلة، أنها ألغت صفة القداسة عن الملك واستبدلتها بصيغة «واجب الوقار والاحترام»، وفي الوقت ذاته يؤكد مشروع الدستور على أن سلطة التشريع تظل من اختصاص البرلمان. فيما أن الجهاز التنفيذي ينبثق من البرلمان، من خلال تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي حاز على صدارة نتائج الاستحقاقات الاشتراعية، ومنحه المشروع سلطة تنفيذية حقيقية تطاول الإشراف على كل مرافق الإدارة وتعيين كبار الموظفين.
وتزامن توسيع اختصاصات رئيس الوزراء مع خطوة مماثلة تمثلت بتوسيع مجال التشريع الذي منح البرلمان حق إصدار العفو العام والتقطيع الانتخابي وترفيع ضمانات الحقوق والحريات العامة كما جعل الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب ويمكن لرئيسها أن يعلق المجلس بعد استشارة ملك البلاد، كما يملك صلاحية إقالة وزير أو أكثر أو كل الفريق الحكومي. وخفض مشروع الدستور النصاب القانوني لطلب إطاحة الحكومة من طرف مجلس النواب، وكذلك تشكيل لجان تقصي الحقائق، فيما أصبحت المعارضة تضطلع بدور أكبر ولم يعد ينظر إليها كأقلية، وتحديداً من خلال تمكينها من رئاسة إحدى لجان مجلس النواب وتكريس دورها الرقابي في مواجهة الحكومة.
هل كان طرح مشروع الدستور الجديد استجابة لمطالب الشارع المغربي، أم أن توقيته على خلفية اندلاع موجة الربيع العربي، يحيل الى مرجعية احتواء الغضب الشعبي؟ في أي حال، فإن فكرة تعديل الدستور طرحت نفسها بقوة منذ عام 2006 وتحديداً عندما طرحت المغرب خطة الحكم الذاتي لإنهاء نزاع الصحراء. وذهب مراقبون إلى أن هذا الطرح يحتاج إلى سند دستوري، وتحديداً من خلال النص صراحة على إمكان تخويل المحافظات الصحراوية وغيرها من الأقاليم حكماً ذاتياً موسعاً. وزادت أهمية الطرح عندما أقر العاهل المغربي الملك محمد السادس إقامة نظام الجهوية المتقدمة، وبالتالي، فإن مرجعية التعديل كانت واردة. إلا أن العاهل المغربي عرض في خطاب التاسع من مارس آذار الماضي إلى حزمة إصلاحات كانت وراء إحداث لجنة استشارية تعززها آليات سياسية لدرس تعديل الدستور. وبعد أن توقع كثيرون أن ذلك التعديل سيكون جزئياً يخص بعض الفصول، جاءت النتيجة في صورة مشروع دستور جديد يغير بنيات الدولة، بخاصة لجهة منح صلاحيات كانت تتوافر لملك البلاد وحده، إلى رئيس الوزراء، في تطور لافت نحو الاقتراب أكثر من نظام الملكية البرلمانية.
بيد أن المنهجية التي اعتمدت في صوغ بنود المشروع راعت إشراك زعامات الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية ومكونات المجتمع المدني وتنظيمات الشباب. واستمرت المشاورات عبر اللجنة الاستشارية والآلية السياسية فترة ثلاثة أشهر، إلا أن فصائل في حركة 20 فبراير الشبابية رفضت المشاركة في تلك المشاورات التي شملت أكثر من مئة تنظيم. ويسجَّل في هذا السياق أنها المرة الأولى التي تتولى فيها شخصيات مغربية صوغ الدستور، فقد كان يعهد في التجارب السابقة إلى خبراء وفقهاء أجانب في القانون الدستوري. وكانت الفاعليات السياسية في المعارضة تقدم مذكرات مطلبية، وعبرت غالبية الأحزاب السياسية عن أن اقتراحاتها أخذت بعين الاعتبار، لكن جدلاً واسع النطاق أثير قبل طرح مسوَّدة الدستور على الاستفتاء، كاد أن يعصف بهذه الجهود لناحية إثارة مبدأ حرية المعتقد ورفض بعض الأطراف جعل الأمازيغية لغة رسمية. واستطاعت جهود وفاقية أن تقود إلى تفاهم دفع بغالبية الأحزاب والمركزيات النقابية، ومن ضمنها «العدالة والتنمية» الإسلامي، إلى تأكيد مساندتها مشروع الدستور. ويقول رسميون مغاربة إن بعض الأطراف التي دعت إلى المقاطعة لا تتوافر على إطار سياسي، في إشارة إلى فصائل حركة «20 فبراير» وجماعة العدل والإحسان المحظورة.
أول ما ترتب على اقتراع الجمعة، أن مشروع الدستور بعد حيازته الثقة يفرض إقامة مؤسسات جديدة، سواء أكان ذلك على صعيد المؤسسة الاشتراعية أم الحكومة، والظاهر أن المشروع، من خلال ربطه ممارسة الأمة لسيادتها بالاستفتاء والاقتراع، اهتدى إلى مكامن الخلل في التجارب السابقة، فقد نص للمرة الأولى على أن تكون الانتخابات نزيهة وحرة وشفافة.
ومع تسليم كافة الشركاء السياسيين في المولاة والمعارضة بصعوبة حيازة أي حزب أو تكتل سياسي على الغالبية النيابية، فإن الخارطة الحزبية مرشحة إلى دخول مربع التحالفات، ذلك أن أي رئيس وزراء لن يكون في وسعه حيازة ثقة مجلس النواب من غير الاستناد إلى دعم حلفاء، وبالتالي فالمشهد السياسي في البلاد وإن حافظ على الأسماء والوجوه نفسها، فإنه سيكون مدعواً لتجديد النخب، وتلك من مزايا مشروع الدستور الجديد، الذي أناط بالأحزاب والمركزيات النقابية مهام تزيد عن التأطير نحو تحقيق التداول على السلطة وفق منظور ديموقراطي تعددي.
عن الحياة اللندنية

عن الكاتب

ABDOUHAKKI

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لـ

مدونة خاصة بالدستورالمغربي

2017