آخر الأخبار

جاري التحميل ...

هل حفر الدستور قبر حركة 20 فبراير؟

هل حفر الدستور قبر حركة 20 فبراير؟






الوطن الآن
في السادس عشر من فبراير 2011 ، أتيح لنا الاطلاع، بالنص والصورة، على جوهر ما يفكر فيه نشطاء حركة 20 فبراير. تهاني مضماض (19 سنة، طالبة بمدرسة العلوم التطبيقية بالقنيطرة ) تعرض، ضمن ندوة صحفية بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مطالب الحركة:
- إقرار دستور ديمقراطي،
- حل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب،
- استقلال القضاء،
- محاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب الخيرات،
-الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية،
- إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي،
- تشغيل العاطلين عن العمل في الوظيفة العمومية،
- ضمان حياة كريمة بالحد من غلاء المعيشة والرفع في الأجور، وتسهيل ولوج المغاربة للخدمات الاجتماعية.
الظهور الأول للحركة يوضح أمرين أساسين:
ـ الأول يهم نوعية سقف المطالب الذي ينادي بإقرار مطالب اجتماعية، اقتصادية وسياسية وثقافية في صدارتها مطلب «الدستور الديمقراطي» دون تحديد دقيق، وقد أسقط الحديث عن الملكية البرلمانية بعد أن كان واردا في الأرضيات الأولى للحركة كما يسجل ذلك متتبعو مسار الحركة.
المعطى الثاني:
بخلاف نشطاء الحركة الاحتجاجية في تونس ومصر الذين أعلنوا منذ بياناتهم الأول أنهم خارج الأحزاب وغير معنيين بالسياسة، فإن النشطاء الشباب المغاربة انبثقوا من رحم الحياة الحزبية، وتحديدا من التنظيمات ذات التعبير الراديكالي، أقصد تحديدا حزب النهج الديمقراطي وحزب الطليعة والاشتراكي الموحد وكذا من رحم الأحزاب اليسارية الأخرى من قبيل الاتحاد الاشتراكي والمؤتمر الوطني والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ومن الهيئات الحقوقية والمدنية، فضلا عن كون جزء هام من هؤلاء النشطاء هم من أبناء المناضلين وعائلاتهم.
خارج مجال الظهور الإعلامي الأول، تواصل نضال حركة 20 فبراير بتنظيم المسيرات الاحتجاجية يوم 20 فبراير، بعد استجابة واسعة من فئات الشعب المغربي، وبعد التحاق شببيات الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والعدل والإحسان وشرائح واسعة من المواطنين...
حركة 20 فبراير صارت واقعا قائما، والانخراط فيها كان تلقائيا. وقد ساعدت على ذلك طبيعة سقف المطالب الذي لم يتجاوز الإصلاح الدستوري بعد تدقيق مطلب الملكية البرلمانية، ومحاربة الفساد والاستبداد، والفصل بين الثروة والسياسة والاقتصاد.
في التاسع من مارس 2011 يلقي الملك محمد السادس خطابا تاريخيا متجاوبا مع نبض الشارع المغربي، بإعلانه عن «مراجعة دستورية عميقة وشاملة». الأمر الذي أعطى انطباعا بأن المغرب يسير في اتجاه تكريس مقولة «الاستثناء المغربي»، بالنظر إلى ماحدث (ويحدث) في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين...
حركة 20 فبراير تواصل الاحتجاج وتعلن عن مسيرات جديدة، تماما كما لو لم يكن هناك خطاب ملكي !
في نفس ثان، برزت مؤشرات تحدث تنويعا في صيغة المطالب وفي أجرأتها. فبضغط من تنسيقية المستقلين بالبيضاء بدأنا نسمع «لأول مرة» حديثا عن الاعتصامات إلى حين تحقق المطالب (كما حدث بساحة نيفادا) وهي «أي الاعتصامات» التي كانت بداية تمرد المستقلين ضد العدل والإحسان وباقي التيارات اليسارية الراديكالية في حركة 20 فبراير، وبدأنا نتابع أيضا سعي الحركة إلى التظاهر في الأحياء الشعبية، وكذلك إلى نقل التظاهرات إلى مناطق حساسة في اتجاه واضح نحو التصعيد كما حدث أمام البرلمان، وفي الطريق إلى مقر جهاز المخابرات بتمارة. هذا التنويع التصعيدي سيجعل السلطة تختار المواجهة بالعنف الوحشي كما حدث في عدد من المدن المغربية.
وفيما شرعت لجنة الفقيه الدستوري عبد اللطيف المنوني في العمل على إعداد مسودة الدستور، رفعت حركة 20 فبراير مطلب إسقاط هذه اللجنة بدعوى أنها «غير منبثقة من الشعب»، وأن أعضاءها لا يمثلون كل أطياف المجتمع المغربي ولا يمثلون كل الحساسيات الفكرية والجامعية.
هنا بدأ التصدع واضحا في جسم الحركة الذي يعيده المراقبون وأعضاء من 20 فبراير أنفسهم إلى أن هذه الحركة قد صارت رهينة للعدل والإحسان، وللنهج الديمقراطي، بعد أن تبين للحساسيات الديمقراطية داخل الحركة وللمستقلين أن التيار الغالب يدفع مباشرة باتجاه المواجهة مع السلطة، والبحث عن إمكانية توريطها في مشاهد العنف الدموي والبحث عن الشهداء.
وبدأت الاحتجاجات والانسحابات من داخل الحركة. وخارجها، ظهر «الشباب الملكي» في مرحلة أولى ثم في مرحلة ثانية ظهر المنتخبون وجمعياتهم الذين ملوا استمرار احتلال الشارع من طرف الحركة، ثم برز في مرحلة ثالثة توظيف العنصر الديني في معركة استعراض القوة، بخروج البودشيشيين على نفس الخط المناهض لحركة 20 فبراير بحيث نزلت زاوية «مداغ» البودشيشية بأكبر ثقلها في مسيرة البيضاء. وكانت النتيجة: تلازم مسيرات 20 فبراير، بالتصادم مع الموالين الذي يؤولون مطالب الحركة باعتبارها هجوما على استقرار المغرب والرغبة في أن «يتصور النشطاء أمام كاميرات القنوات الفضائية ولو على حساب مصلحة البلاد». وفق ما يقول هؤلاء.
في نفس ثالث، أعلن الملك في خطاب 17 يونيو عن مضامين الدستور الجديد، وعن تنظيم الاستفتاء في فاتح يوليوز بعد أن تمت المشاورات حوله، داخل لجنتي المنوني وآلية التتبع، مع الأحزاب وقطاعات المجتمع المدني.
بعد الخطاب مباشرة، أعلن بعض نشطاء 20 فبراير عن رفضهم لمشروع الدستور الجديد. وهو القرار الذي تبنته الحركة حتى قبل اجتماع أجهزتها التنسيقية. ومن ثم الدعوة إلى مواصلة المسيرات الاحتجاجية في الأحد اللاحق عن يوم الاستفتاء. قرار المقاطعة الذي أعلنته حركة 20 فبراير يأتي متناغما مع نفس القرار الذي تبنته العدل والإحسان والنهج والاشتراكي الموحد والطليعة والمؤتمر الاتحادي والكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
حين يستعرض المراقبون تطور هذا المسار يبادرون إلى مساءلة حركة 20 فبراير لرفع الالتباس، ذلك أن معظم فئات الشعب المغربي كانت مع مطالب حركة 20 فبراير في البداية، كما أن الأغلبية الكاسحة من الشعب المغربي صوتت على الدستور بنعم. فهل تقبل الحركة أن تكون صوت الشعب أم ضده؟ في حين أن أبسط مبادئ التعامل الديمقراطي يقول المراقبون تعني أن ينصت نشطاء الحركة إلى نبض الآغلبية الساحقة من الشعب، حتى لا يخونوا رسالتهم النبيلة التي أعلنوا عنها منذ اليوم الأول.
الذين يطرحون هذا السؤال لا يودون تبسيط منطق التحليل، ولكنهم يضيفون بأن مصدر الغموض يتأتى من كون الحركة قد أعلنت منذ انطلاقها أنها وليدة الشارع المغربي، بما يعنيه ذلك من نقل أمين لهموم وانشغالات المواطنين. والحال، يتابع هؤلاء، أنها بتطرفها هذا تبدو كما لو خرجت من صالون سياسي، أو أنها صوت لقطاع محدود من النخبة المعزولة عن المجتمع.
أبسط مبادئ العمل الديمقراطي، يقول هؤلاء، تعني كذلك الإيمان بشرط التدرج الذي ينتج التقدم والبناء. ووفق ذلك فإن الحركة مدعوة إلى إعادة قراءة مسارها بما يحقق مزيدا من المكتسبات للمغاربة. وبدون ذلك ستسقط مطالبها في العدم. ولأن الذين واكبوا حركة 20 فبراير، بحماس وتقدير، أو على الأقل من زاوية التحليل والتتبع، قد رأوا في الحركة أداة للتغيير كما يريدها أغلب المغاربة، فإن هؤلاء صاروا اليوم يخافون على الحركة من التيه والضياع، إن لم نقل من الاختطاف.
إن مواطنين كثرا كانوا قد رافقوا الحركة في زمن الاحتجاج يوافقون على جزء كبير من هذا التحليل، مثلما يقترح مناصرون للحركة ومراقبون أن تتولى الحركة مسارا آخر: أن تواصل الاحتجاج والحضور والتظاهر من أجل تطبيق مقتضيات الدستور الجديد، وفي مقدمة هذه المقتضيات متابعة التطبيق العملي، والتسريع بإخراج القوانين التنظيمية، وفي موازاة ذلك الاستمرار في الدعوة إلى إصلاح الإدارة العمومية، ومحاربة الفساد والاستبداد.
بدون ذلك، في نظر عدد من الجامعيين والنشطاء السياسيين والمدنيين، فإن الحركة ستتعرض للتفكك، وستصير بعيدا عن الشعب الذي صوت بنعم لأنه يحب مغربا مستقرا، ويقدر تجاوب الملك وينتظر تفعيل الدستور الجديد لدخول تاريخ جديد من المحاسبة. في هذا المآل ستصبح الحركة مجرد حانوت سياسي لا أثر له في الشأن السياسي الوطني، بعد أن كانت صوت الشعب برمته.
أمام حركة 20 فبراير حظ آخر لبث الأمل في إمكانية التغيير وفي رفع الالتباس !


العدد 438

عن الكاتب

ABDOUHAKKI

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لـ

مدونة خاصة بالدستورالمغربي

2017