آخر الأخبار

جاري التحميل ...

حوار سياسي: الدستور الجديد ومستقبل الانتقال والإصلاحات

حوار سياسي: الدستور الجديد ومستقبل الانتقال والإصلاحات






مع أبوالقاسم الشـــبري
مدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي البرتغالي بالجديدة
حاوره عبد النبي مصلوحي
 كيف تقيمون التبني الشعبي الواسع للدستور الجديد ؟
التبني الشعبي الكبير للدستور الجديد كان متوقعا بالنظر إلى حجم النقاش الواسع والحملة الشعبية الهادرة (المساندة والمتحفظة والمعارضة) اللذان طبعا مخاض إخراج الوثيقة الدستورية. يجب أن نعترف أنه لأول مرة تقوم كل مكونات الشعب المغربي بمناقشة مقتضيات الوثيقة الدستورية والخوض في تفاصيلها. ربما ذلك ناتج عن نضج وعي الشعب وعن ظرفية الربيع العربي وحراك شارعنا المغربي، وهو كذلك ناتج من دون شك عن كون دستور 2011 قام بإعداده مغاربة لأول مرة في تاريخنا الدستوري، كما أنه ولأول مرة شارك الشعب في صياغة دستوره وذلك من خلال الأحزاب والنقابات والجمعيات المهنية والمدنية المختلفة والنخب التي عملت كلها بمختلف ربوع المملكة على تسليم مقترحاتها إلى لجنة صياغة الدستور أو إلى الآلية السياسية.
كما كان النقاش العمومي على القنوات والمحطات الإذاعية والتلفزية وبالمنابر المكتوبة مفتوحا في وجه المساندين والمعارضين فزاد ذلك من شعبية المشروع. لذلك لم تفاجئني شخصيا نتيجة المصادقة على الوثيقة الدستورية في استفتاء فاتح يوليوز.
لكن بقدر ما أنظر بإعجاب إلى تبني الشعب لدستوره واحتضانه إياه، بقدر ما يخيفني موقف هذا الشعب غدا في حال إذا ما تم الالتفاف على أحكام وروح هذا الدستور. لأنه على قدر الحب تأتي الكراهية (قد البوسة قد العضة). ولذلك أحذر الجميع من الاعتقاد بأن الشعب وافق على الدستور فأخذته سنة ونوم عميقين.
الدستور الجديد يؤطر لحياة وطنية جديدة ولعلاقات مجتمعية ومؤسسية جديدة، ماهي المهام المطروحة على الأحزاب السياسية في ظل هذا الدستور الجديد؟ وهل هي مؤهلة لذلك؟
لست الوحيد الذي سيقول لك بأن كل أحزاب مغرب الاستقلال لم تشتغل "في خاطرها" بل كانت دوما تعمل إما تحت إكراهات ومضايقات أو بتوجيهات وتعليمات، مع اختلاف في النسبة من حزب إلى آخر. والشعب يعرف من رضخ كثيرا ومن رضخ قليلا ومن عانى الويلات ومن تلقى الإكراميات. اليوم، مع الدستور الجديد أصبحنا أمام شعب جديد يتحتم معه على الأحزاب والسلطة معا النظر إليه بمنظور جديد ووفق منهجيات جديدة. ولذلك هناك كثير من الأحزاب لن تكون قادرة على فك الارتباط مع مقارباتها الماضوية وحليب السلطة وسن توجه جديد لحزب جديد بمفهوم جديد. ومع أن هناك أحزاب قليلة قادرة على تطبيق مبدإ الاستيعاب والتجاوز، فإن ثقل الماضي ذاك لن يجعلنا نستفيق صبيحة ذات سبت على مشهد سياسي جديد مائة بالمائة.
أتوقع أن ينعكس إيجابا الدستور الجديد على ممارسات الأحزاب غدا. لذلك أظن أن الأحزاب ستتجند لترميم بيوتها وتجديد أنفسها وأفكارها ومقارباتها. لم يعد عذر أمام الأحزاب مع الدستور الجديد. على الأحزاب أن تنهض فعلا بتأطير المواطنين بحضور فعلي من خلال برامج ميدانية متنوعة على مدار السنة وليس بهرجة فارغة في فترات انتخابية متقطعة. على الأحزاب اليوم أن تجدد خطابها ومقارباتها لكل الأشياء، عليها أن تعمل على إبراز وتجديد طاقاتها ونخبها، عليها أن تقطع الطريق على كل المفسدين وكل جيوب المقاومة. على الأحزاب اليوم أن تسهم فعلا في التنمية الاقتصادية والتنمية الشاملة والمستديمة عموما وذلك سواء من موقعها في الحكومة أو في المعارضة البرلمانية، عليها أن تسهم بالملموس في الدفع باتجاه توفير العيش الكريم للشعب وتمكينه من السكن والتعليم والصحة وكل مقومات العيش الأساسية والكمالية. على الأحزاب أن تنكب باستمرار على إعداد وتحيين برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية باتجاه المساهمة الفاعلة والفعالة في التنمية بعيدا عن المزايدات السياسوية والخطاب السياسي الأجوف الفضفاض المتهالك. ونعلم أنه ليست كل الأحزاب مؤهلة لهذا، غير أن الجميع يتعلم، والأحزاب المغربية بدون استثناء بها طاقات خلاقة لابد يوما تنتصر.

ما هي المهام المطروحة على هيئات المجتمع المدني في ظل الدستور الجديد ؟ وهل هي مؤهلة لذلك ؟
اسمح لي بداية أن أشير إلى أن الباحثين المغاربة تحدثوا قبل الأوان منذ سنوات عديدة عن "مجتمع مدني" وأنا كنت دوما أقول إن هناك جمعيات مدنية وليس بعد مجتمعا مدنيا. ومنذ حوالي 15 سنة أصبح هذا المجتمع المدني يتشكل وأصبحنا اليوم أمام هيئات المجتمع المدني.
أظن أن السياسات السابقة التي أثقلت كاهلنا بكثير من النواقص والعاهات في مختلف المجالات مست كذلك حياة الجمعيات. وإذا كانت العشرية الأخيرة قد عرفت طفرة في المجال الجمعوي تكوينا وتأطيرا وأداء ونتيجة، فإن بحثا سريعا سيخبرنا بأن ما لا يقل عن تسعين بالمائة ((90% من الجمعيات في حاجة إلى تكوين وتأطير وإعادة تكوين، قبل أن تكون في حاجة إلى دعم مادي. ولذلك أقول إنه على الدولة والأحزاب اليوم العمل على إعادة تأهيل المشهد الجمعوي بما يجعله قادرا على الانخراط الإيجابي في الصيرورة الحالية وبكل استقلالية من أجل العمل إلى جانب المواطنين ومعهم ولفائدتهم. الجمعيات هي الأقرب إلى المواطنين وعليها اليوم وفق أحكام الدستور أن تسهم في تثقيف المواطنين وتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم وأن تكون رقيبة على تدبير الشأن العام المحلي والوطني وأن تعمل على تأطير الأطفال والشباب قبل أن يجنحوا وتميل حافلتهم. ويجب على الأحزاب إحداث جمعيات موازية.
كيف تتصورون طبيعة مجلس النواب المقبل وطبيعة الحكومة المقبلة ؟
المغرب اليوم يشد أنفاسه إلى حين إعلان نتائج اقتراع انتخاب مجلس النواب المقبل لنعرف بالملموس وجهة بوصلتنا وهل ستوصلنا إلى البر أم أننا سنقضي في البحر. أنا حقيقة خائف كثيرا لكنني واثق من أن مجلس النواب المقبل (أكتوبر 2011) سيكون مختلفا بشكل إيجابي وكبير جدا عما ألفناه من مجلس متهالك ومتخاذل ونواب غالبيتهم الساحقة من عديمي الثقة وخائني الأمانة. سوف لن تزول كل الشوائب مع مجلس النواب والحكومة المقبلين، غير أن مغرب نهاية 2011 سيكون مغربا غير الذي عرفناه من قبل. إن التشكيلة الحزبية للبرلمان لن تتغير كثيرا، غير أن الحكومة المقبلة ستعرف مما لا يدع مجال للشك سحنة لم نعهدها ووجوها جديدة لم نألفها، وجوه من الحنكة السياسة والكفاءة العلمية ما سيمكن المغرب من تجربة حكومية آمل أن تكون فارقة في تاريخ المغرب، وستكون كذلك دون شك.
رغم التجاوب الشعبي الكاسح مع الدستور الجديد في استفتاء فاتح يوليوز، ما زال الشارع المغربي يعرف تظاهرات احتجاجية . بماذا تفسرون ذلك ؟
التظاهر والاحتجاج عربون صحة جسد المجتمع. اليوم ومع ثورات الربيع العربي الجميل يوجد المغرب في وضع يحسد عليه لكونه البلد الوحيد الذي تمر فيه المظاهرات منذ أزيد من خمسة أشهر في جو حضاري، من جانب السلطة كما من جانب المتظاهرين، والحالات المعزولة من كلا الجانبين لا تشكل قاعدة أبدا. لذلك لا يمكن إلا نفتخر بمظاهراتنا ما دامت سلمية. التظاهر سمة الشباب ولذلك سيصعب من الناحية السيكولوجية التخلي عن التظاهر في وقت يحتل فيه الشباب العربي شوارع بلدانه بما فيها البلدين الذين سقط رئيسيهما، هذا يضاف إلى كون كثير من الناس بمن فيهم من صوتوا لفائدة الدستور مازالوا منطقيا يعيشون على فقدان الثقة بين السلطة والمواطن. ترميم هذه الثقة سوف لن يكون سهلا وعلى الدولة أن تبدأ فورا في إعطاء إشارات واضحة وجريئة، قبل فوات الأوان. ونحن نعترف بالإشارات التي بدأت منذ 1998 وضاعف من وثيرتها الملك محمد السادس، وننتظر المزيد. من جهة أخرى لا أريد أن أدخل في التوجهات المختلفة لبعض المكونات التي سطت على حركة الشباب المغربي والتي لها أهداف قيل عنها وعن ارتباطاتها الشيء الكثير. كما لا يجب أن نغفل عن كون التظاهر في المغرب لا علاقة له لا بالربيع العربي ولا بالدستور الجديد. هناك دوما موظفون وأجراء، فلاحون ومواطنون يتظاهرون هنا وهناك ودوما لنا معطلون يعتصمون في المدن ويقتحمون بعض المباني الإدارية. كل هذا لأن المغرب هو البلد الوحيد في منظومتنا الإقليمية الواسعة الذي يوفر مساحات شاسعة للتعبير والتظاهر منذ ما لا يقل عن عشرين سنة أو يزيد.
ماهي السبل الكفيلة بإعادة الهدوء إلى الشارع المغربي ؟
كلما تحدثت إلى الناس في موضوع شائك قالوا لك "هذا أمر يحتاج إلى إرادة ملكية لحل المعضلات" الشارع في حاجة إلى إخراج كل ملفات الفساد حالا لا آجلا ووضعها على مائدة قضاء مستقل ونزيه، في حاجة إلى أن لا يرى أبناءه وبنات جيرانه ووطنه المعطلين يتدورون جوعا أمام البرلمان وأمام البلديات وفي الساحات، في حاجة إلى أن لا يرى عائلة أو عائلتين تستحوذ على عشرات المناصب السامية والاستثمارات الكبرى بالبلاد، في حاجة إلى أن لا يتم ترهيبه بمقرب من الدوائر العليا، في حاجة ليرى وجوها سياسية جديدة ونخبا مكونة، في حاجة إلى أن لا يرى أي حزب يستقوي على الأحزاب والشعب بالقرب من الدوائر العليا. أظن أن الإعلان هنا والآن على تحييد الداخلية بإسناد الانتخابات إلى هيأة مستقلة بإشراف قضائي هي فرصة سانحة لإطفاء جزء كبير من غضب الشارع. وإذا أنجبنا مجلس نواب بوجوه جديدة وجادة دون شراء ذمم فإن الشارع سيهدأ وقد يتوقف التظاهر الأسبوعي الأحدي نهائيا. فالشارع يعرف بأن البطالة وإصلاح المعيشة والتعليم والصحة وغير ذلك هي أمور لا تحل بين عشية وضحاها. الشارع إذن في حاجة إلى إشارات سياسية فعلية صريحة وصادقة، فورا.
تنظم جبهة القوى الديمقراطية حملة "الأبواب المفتوحة". هل من توضيح لأهداف هذه الحملة ودوافعها ؟ وما هي النتائج الأولية لهذه الحملة ؟
تنظيم جبهة القوى الديمقراطية للأبواب المفتوحة يتماشى وتوجهاتها السياسية والفكرية. فالجبهة لم تؤمن يوما بالعمل السياسي المكتبي ولم تكن تلك ممارساتها. الجبهة تؤمن دائما بالانخراط في صفوف الجماهير لتشتغل بتنظيماتها الترابية والقطاعية إلى جانب المواطنين ولفائدتهم. ولذلك فإن الجبهة مثلما حين كانت في الحكومة أو يوم خرجت إلى المعارضة فهي تعرف المواطن عن قرب وتعرف حاجياته. وتأتي الأبواب المفتوحة اليوم لتجديد عمل الجبهة وإضفاء ديناميكية جديدة على أدائها وهي مناسبة لفتح نقاش جديد ومتجدد مع المواطنين بكل مشاربهم وتكويناتهم خاصة وأن الساحة تغلي بالنقاش السياسي والدستوري. الأبواب المفتوحة على امتداد تراب المملكة هي فرصة للتلاقي والتعارف والحوار وشرح التوجهات الكبرى لجبهة القوى الديمقراطية وبرامجها السياسية والاقتصادية والثقافية والقطاعية التي تهم الشباب والمرأة والفلاح والصانع وغيرهم، وهي كذلك مناسبة للانخراط أو تجديد الانخراط في صفوف الجبهة.
الدستور الجديد حمل الأحزاب مسؤوليات كما حمل أخرى للمواطن. ولذلك فإن المواطنين إن هم أرادوا تحسين حياتهم وتحقيق مطالبهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فهم مطالبون بالانخراط في الأحزاب السياسية، ولا يعقل بتاتا أن يكيل المرء الانتقادات إلى الأحزاب والسلطات على السواء وهو يلوك الكلام في المقاهي. وفي تقديرنا فإن جبهة القوى الديمقراطية تستجيب لتطلعات الجماهير ومن ثمة فهي تدعوها إلى الانضمام بكثافة إلى صفوفها. وقد أبانت الأبواب المفتوحة لحد الآن فعلا عن تجاوب جماهيري كبير مع الجبهة وتقدير وتثمين عملها هذا، كما قام الكثيرون من الرجال والنساء والشباب بتعبئة استمارة الالتحاق بجبهة القوة الديمقراطية. والحملة مازالت متواصلة.
تستدعي المرحلة تصالحا بين المكونات الشبابية وحقل السياسة، في رأيك ما هي أقصر السبل لتحقيق هذه المصالحة؟
يصعب الجزم بأن هناك أقصر السبل للمصالحة بين الشباب والعمل السياسي في المغرب أو في غيره من البلدان، علما أن الشباب كباقي أفراد الأمة يمارس السياسة كمعيش يومي في محيطه المحلي والعالمي. والمتابعة عن بعد ليست هي الممارسة من داخل منجم السياسة، خاصة في زمن لم يعد فيه التعليم يكون لنا ذلك الطالب المثقف. نحن اليوم كباقي شعوب العالم نعيش مع آفة المخدرات وانحرافات الشباب والاستلاب الثقافي والحضاري والتفسخ الأخلاقي والخلقي ولسنا وحدنا من يعاني من هذا أو من ضعف التكوين السياسي لدى شبابه. الشباب وكل الناس ينتقدون السياسة والأحزاب والسلطة والإدارة ولا يتجشمون عناء البحث عن المعلومة كما ترفض غالبيتهم الانخراط في الأحزاب. وهنا تكمن الإشكالية الحقيقية. يملي عليك الناس تشكيلة المنتخب الوطني وخطة اللعب أفضل من أعتى المدربين ويصورون لك تسييرا مثاليا للبلدية وإدارة ربانية للحزب ومشاركة ملائكية في البرلمان وتسييرا نبويا للوزارة، لكنهم لا ينخرطون في الهيئات والمؤسسات المعترف بها كونيا التي تخولهم تحقيق توجهاتهم وخططهم واستراتيجياتهم. أنا أنتقد إذن أنا أريد التغيير. أنا أريد التغيير إذن يجب أن أنخرط في الهياكل التي تسمح لي بإحداث التغيير.
وإذ أعترف بأن الأحزاب مقصرة في دورها وأن الدولة عملت في السابق على تمييع الحقل السياسي وتنفير الشباب من السياسة، فإن ترميم الأمور يبدأ أولا بتنقية الأجواء كما قلت في حديثي عن الشارع المغربي أعلاه. ثم على الأحزاب أن تنزل إلى صفوف الشعب وعلى الإعلام العمومي أن يقوم بدوره في تهذيب ذوق الناس وتثقيفهم وفتح عيونهم على عالم السياسة والثقافة الكونيتين.

مما لاشك فيه أن المرحلة الموالية في هذا المسلسل الإصلاحي تستوجب وعيا سياسيا متجددا بأهمية المكتسبات، في رأيك كيف يمكن بلورة هذا الوعي وجعله يتطور في هذا الاتجاه؟
التراكم والاستيعاب والتجاوز يجب أن تكون سمة المرحلة الحالية والمستقبلية. يجب أن نلتفت إلى الماضي لاستخلاص الدروس الإيجابية والسلبية من ماضينا السياسي وفي نفس الوقت علينا أن لا نكون عدميين بل علينا أن نعمل على تثمين كل مكتسب صغيرا كان أو كبيرا ولا مجال لإهدار أية فرصة. محطة دستور اليوم تمنحنا مناعة غير مسبوقة ووجب علينا رعاية هذا المولود باتجاه نمو طبيعي. وهذه الروح الجديدة تستوجب تثمين وتثبيت ما هو إيجابي وتطويره وتحويل كل نقطة سلبية غير متوقعة إلى حافز إيجابي بالنقاش الهادئ والعقلاني. ولأجل كل هذا أضحى حتميا أكثر من أي وقت مضى تأهيل إعلامنا الوطني العمومي ودمقرطته وتأطير الإعلام المسمى مستقلا. كما يجب استثمار المدرسة وفضاءات الأحزاب والجمعيات والمنتديات وخطب الجمعة باتجاه خطاب عقلاني يستفز الفكر النقدي في الصغير ويرسخ الخطاب العقلاني لدى الكبار. ألم يكن ابن رشد الفيلسوف خطيبا في الأندلس والكتبية. علينا، إجمالا، أن نخلق شعبا متشبعا بقيمه الدينية والحضارية ومتضلعا في السياسة الوطنية والدولية ويفهم في أمور الاقتصاد والمجتمع والقانون والفن مما يعني شعبا يملك ما يكفي من المناعة حتى لا يتم استغلاله من أية جهة متطرفة أو عدمية في هذا الاتجاه أو ذاك. ولذلك صار إلزاميا علينا إعادة النظر في منظومتنا التعليمية جملة وتفصيلا كما لم يعد مسموحا لنا أن يبقى بيننا أمي واحد لا يعرف الكتابة والقراءة، في أفق عشر (10) سنوات من الآن.
الأجندة الزمنية التي خصصت لإعادة بناء المؤسسات التمثيلية...هل من ملاحظات؟
السرعة دون التسرع يجب أن تكون هي شعارنا اليوم إلى حين تنصيب كل المؤسسات الدستورية قاطبة. لذلك أرى أن الأمور يجب أن تمشي بسرعة وعقلانية وتشاركية وأظن أن ما جاء في خطاب العرش بتحديد نهاية 2012 كسقف لكل العمليات الانتخابية هو أمر معقول ومطلوب بدءا بانتخابات مجلس النواب في أكتوبر 2011.
جاء في خطاب العرش الأخير أن استكمال بناء الأسس التي يمكن أن يقوم عليها الدستور الجديد يظل رهينا بتأهيل المشهد السياسي. هي رسالة قوية بلا شك، كيف تقرؤونها؟
لا يسعني إلا أن أشكر جلالة الملك على نقده المضمر والمعلن في كثير من خطبه للمشهد السياسي المغربي المتعفن ولأشياء أخرى. أرى أننا سندشن رويدا رويدا بداية تخلي الداخلية وجهات نافدة عن التدخل في تلغيم وتوجيه العمل السياسي مما ساهم في تمييع الحقل برمته. لذلك أظن أن الخطاب موجه إلى كل الفرقاء من رئيس الجوقة المختفية والجوقة البارزة والمخرج ومصمم الديكور والراوي والممثل والمتلقي. الإدارة والأحزاب وخفافيش الظلام مطالبون جميعا بأن "يجمعوا راسهم"، كل في ما يخصه. المواطنون، وخاصة الشباب مطالبون بالانخراط في العمل السياسي من الداخل، وهم يتحملون دستوريا مسؤولية اختيار ممثليهم بالجماعات الترابية والغرف والبرلمان، وقد أعذر من أنذر. وخطاب الملك تناول هذه الأمور انطلاقا من أحكام الدستور. ولا يجب أن نغفل أن الملك أعطى أول مثال في تأهيل المشهد السياسي حين بنى خطاب العرش كاملا لغة وروحا في توافق تام مع مقتضيات الدستور الجديد ليقول للجميع ها هو الملك يحترم الاختصاصات الجديدة التي خولها له الدستور ولا يتجاوزها، فعليكم أن تلزموا حدود ما يخوله الدستور لكل طرف منكم ويقوم كل منكم بما يمليه عليه الدستور من واجبات.
ماهو دور اليسار السياسي في المغرب في المراحل الموالية؟
أظن أن اليسار الذي ناضل لسنوات سواء في صخب أو في هدوء عليه أن يكون سعيدا ببلوغ هذه اللحظة التي طالما تقنا إليها. غير أنه على اليسار أن يجدد خطابه ويطلق عنان نخبه ويعود إلى عماله وشبابه ومثقفيه الذين شكلوا دوما القوة الضاربة في أسرة اليسار قبل أن يتم إدخالهم غرفة الإنعاش منذ ثمانينات القرن العشرين. اليسار اليوم مؤهل للعودة إلى بريقه وريادته لأنه وحده الكفيل باحتواء الخطاب الجديد للنخب الجديدة والشابة في وضع عربي وعالمي جديد. اليسار وحده يعرف مخاطبة الجماهير الشعبية ووحده من يدرك آهاتها، لذلك وجب عليه العودة إلى جماهيره هذه ليشد بيدها ويقوي صفوفه لمواصلة إدارة النقاش التوافقي من موقع المكتسبات الديمقراطية بعيدا عن التشنجات التي طبعت مرحلة الستينات والسبعينات. وإذا لم يفعل اليسار، فإننا نبقى دوما مهددين بالعودة إلى الوراء وإهدار مكتسباتنا وفرصنا الإيجابية.
كان الخطاب الملكي الأخير واضحا في الحث على توفير شروط وظروف النزاهة والشفافية لتمر الانتخابات في مناخ سليم. في رأيكم من المقصود بهذا الكلام، ومن المسؤول المباشر عن خلق مناخ النزاهة للانتخابات؟
نحن نثق في ملك الفقراء، لكننا نبقى متخوفين من أولئك الذين يعهد إليهم بتنفيذ القرارات والقوانين. كلنا ندرك أن الملك يعمل جاهدا على تأهيل الاقتصاد وتنمية البلاد والعباد وتخليق الحياة السياسية، لذلك شدد في خطابه، في حدود ما يخوله له الدستور الجديد، على أن تكون كل المحطات الانتخابية محكومة بكامل النزاهة والشفافية ومراعاة المصالح العليا للوطن والالتزام بروح الدستور مع التأكيد على أن كل تأويل مناف للجوهر الديمقراطي للدستور هو خرق مرفوض مطلقا. وقد وجه الملك كلامه إلى كل الفاعلين ولم يستن أحدا، حكومة ومواطنين وأحزابا، مما يعني أن المسؤولين بشكل أساسي ومباشر عن توفير ظروف النزاهة هم في تقديرنا وزارة الداخلية والأحزاب السياسية والمواطنون. لا تستقيم النزاهة دون هؤلاء الثلاثة، والإخلال بها قد يأتي من الداخلية كما من الأحزاب والمواطنين على حد سواء. فلو أن هيأة مستقلة بإشراف قضائي هي من تكلفت بكل مراحل العملية الانتخابية وهذا ما أتمناه، فقد لا نخرج بانتخابات نزيهة ما لم تلتزم الأحزاب بحسن اختيار مرشحيها ونزاهة حملتهم وما لم يكف المواطنون عن بيع أصواتهم في سوق النخاسة الانتخابية. وأظن كذلك أن الملك يريد أن يؤكد للأحزاب وللشارع بأن ليس هناك حزب يحظى بعطف ما من جهة ما ويجب الالتزام بالشفافية والنزاهة ومساواة الفرص تجاه الجميع ومن طرف الجميع في التزام تام بأحكام الدستور. ووجب التنبيه أخيرا إلى أن الديمقراطية والنزاهة وتأهيل المشهد السياسي لن تتأتى بتحديد عتبة إقصائية ولا تنتمي إلى أي منظومة ديمقراطية.
بالنسبة لتحالفات جبهة القوى الديمقراطية..هل من معطيات جديدة؟
منذ سنوات وجبهة القوى الديمقراطية تبذل كل الجهود لتوحيد أو تقريب عائلة اليسار وواجهتها عدة صعوبات وتجاهلها الإعلام، ربما لأسباب تعود بالأساس إلى تمييع المشهد السياسي. والجبهة متمسكة بعائلة اليسار وقد تسمح الظروف الجديدة بتحقيق هذا المبتغى، وسيكون لكل حادث حديث.
ما معنى أن تكون يساريا اليوم؟
هو فخر أن تكون يساريا بالأمس كما اليوم. غير أننا لا نسبح في ماء النهر مرتين، ولذلك فإن اليساري اليوم يجب أن يبقى وفيا لمبادئ اليسار الحقيقية والجماهيرية مع تكييف مبادئه وأيديولوجياته مع روح العصر، ولكل عصر فكره وروحه. أنا أرفض القول بموت الإيديولوجيات وأختلف في هذا مع أغلب اليساريين ومع كل المنظرين، لأن الحضارة البشرية ببساطة تدور في فلك حلزوني والتاريخ يعيد نفسه ولو في دورة حلزونية، أحب من أحب وكره من كره، ويكفي أن ننظر إلى صيحات الموضة لنتأكد أن ما يكون سخرية في زمان يعود كاملا في شكل موضة راقية في زمان آخر، وكذلك الفكر.
هل من ملاحظات حول اللائحة الوطنية التي تضم المرأة والشباب؟
أنا لا أتفق بتاتا على لائحة للنساء والشباب وأدعو إلى لائحة وطنية للنساء وأطر الأحزاب بمختلف الأعمار، مع التأكيد على حضور وازن للشبان والشابات. ولذلك أرفض جازما اقتراح الداخلية بتحديد سن الذكور في 35 سنة لأن ذلك سيحرم كل الأحزاب من نخب وازنة وذات تجربة ستفيد المغرب كثيرا سواء في العمل البرلماني المباشر أو في الدبلوماسية البرلمانية التي تعد دبلوماسية ذات ثقل كبير في السياسة الدولية. لذلك أرى أنه يمكن تحديد سن الذكور باللائحة الوطنية في خمسين سنة على أن لا يقل عدد الشباب (35 أو 40 سنة) عن الثلث من بين الذكور. ولا مانع في أن يكون دعم الأحزاب متوافق مع نسبة حضور الشباب والنساء في اللائحة الوطنية وحتى في اللوائح الإقليمية. ولا أخفيكم رغبتي الكبيرة في رفع سقف اللائحة الوطنية من 90 إلى 120 منتخبا ومنتخبة، مما يعطينا 60 امرأة وفتاة و30 من الشبان ومثله من الذكور لأقل من 50 سنة شمسية. وهذا يدخل ضمن التدرج نحو بلوغ المناصفة. ويبقى التأكيد أخيرا على أن كوطا اللائحة الوطنية هي اختيار مرحلي يجب أن يزول يوما.
جريدة المنعطف عدد 4104 بتاريخ 09-8-2011

عن الكاتب

ABDOUHAKKI

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة لـ

مدونة خاصة بالدستورالمغربي

2017